لم يعد السؤال المهم في سوريا الآن: متى تنتهي الحرب ويزول غبار المعركة؟، ولم يعد مهما أيضا أن نسأل: متى يسقط الأسد ــ الذي لم يعد يملك سوى عاصمة صغيرة محاطة بالنار ومناطق تنتظر مصيرها المجهول، فالإجابة على عمر الأسد الافتراضي بات برسم التجاذبات الدولية. في الحرب وهم واحد يسيطر على الناس؛ وهو: غدا تنتهي الحرب. لكنها لا تنتهي حتى تتبدد الآمال؛ لذا قررنا أن نهرب بعيدا عن هذه التساؤلات الجدلية، لننفذ إلى تفاصيل الحياة السورية، أي ماذا يجري في هذا البلد بعد أربع سنوات من الصراع؟!، كيف تدور يوميات الحرب؟ كيف يعيش هؤلاء البشر، بل وحتى كيف يموتون. ففي سوريا كل أنواع الموت هناك، بالنار والرصاص والتعذيب.. ما شئت.
كلفتنا الإجابة على هذا السؤال رحلة طويلة في عمق سوريا، رأينا خلالها جثثا من الطرفين، وسمعنا من الآباء من يقول: سنوقف القتال حين يعود أبنائي من الموت.. لكن هيهات. رأينا أطفالا مسحت الحرب من وجوههم معاني الطفولة،رأينا نساء ثكالى يعشن على الذاكرة فقط. مررنا بجبهات القتال في اللاذقية وإدلب وحماة وريفيهما، وكذلك ريف حلب الشرقي. واتجهنا إلى المناطق الكردية للوقوف على أطلال عين العرب «كوباني».. وكانت الخلاصة: كل شيء تغير في سورية البشر والشجر وحتى الحجر.
ليس اجتهادا ولا تحليلا القول بأن العام 2015 هو عام الحسم في الأزمة السورية وسقوط نظام بشار الأسد، بل ذلك إجماع من كافة الكتائب التي تقاتل على الأرض.. والتي لها الكلمة الفصل في مواجهة قوات النظام.
فالانتصارات المتتالية في الشمال السوري في محافظة إدلب وجسر الشغور وكذلك المعارك التي تدور في أريحا والمسطومة باتجاه سهل الغاب «المنطقة الاستراتيجية للنظام، توحي بحالة من الإحساس بالثقة للمقاتلين على الأرض. بدايات، تقدم المعارضة على الأرض جاء تقريبا منذ عام وهو مازال واقعا حتى الآن، إذ يتصاعد تدريجيا رغم حشد قوات النظام المضاد في كل المناطق، وبالفعل بدأت موازين القوى تتغير على الأرض وهذا ما لمسناه في معارك جسر الشغور .. فماذا حدث؟
حين بدأت الثورة السورية بحمل السلاح، ونتيجة عوامل الضفط والقمع التاريخي أخذت طابعا فوضويا عشوائيا لا يتبع المسار العسكري المنظم، ورغم أنها حققت نجاحات على الأرض إلا أن غياب التنظيم ضيع فرصة استغلال هذه المكتسبات على الأرض، ولعل أبرز دليل على ذلك سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على أول المحافظات المحررة وهي الرقة، حينها حرر الثوار الرقة دون أن يعيدوا ترتيب أنفسهم ويتولون شؤون المدينة لتأتي داعش من وراء ظهورهم وتستقر في أول مدينة يحررها الثوار.
الأمر الآخر، هو تعدد الكتائب المقاتلة على الأرض دون أن يكون لها رأس مدبر ونقطة ارتكاز تكون مرجعية سياسية وعسكرية لها، وهذا سمح للنظام باختراق الثوار بزرع خلايا عميلة تشق صفوفهم. لكن بعد مضي ثلاثة أعوام على الثورة حدث تطهير ذاتي داخل الفصائل المقاتلة وتم كشف المدسوسين في صفوف الثوار، فيما خرج البعض الآخر الذين لم تكن لديهم أهداف حقيقية في تحقيق آمال الشعب السوري من دائرة الصراع لتبقى القوى الحقيقية التي ما زالت حتى الآن تعمل وتقاتل في سبيل إسقاط نظام الأسد.
غرفة عمليات موحدة
هذا الأمر عزز ثقة الثوار بأنفسهم ومكنهم من إعادة ترميم صفوفهم ووحدة كلمتهم، وفي هذا السياق جاءت معارك تحرير إدلب وجسر الشغور ومناطق أخرى من ريف حلب. حيث تم تشكيل غرفة عمليات موحدة تشترك فيها معظم الفصائل في المنطقة، وكل كتيبة ترسل مجموعة من أفرادها تكون بإشراف غرفة العمليات.. ليكون ولأول مرة هناك مركز عسكري واحد للقرار.. وهذا بالضبط ما حدث في جسر الشغور وإدلب.
أهمية جسر الشغور
السيطرة على جسر الشغور تعني الكثير للمعارضة والنظام، فهي مفتاح الدخول إلى سهل الغاب التابع لمحافظة حماة جنوبا وكذلك مفتاح الدخول إلى اللاذقية من الجهة الغربية.
وتخطط المعارضة بعد التوسع جنوبا باتجاه حماة والضغط على قوات الأسد، إلى فتح جبهة الساحل (اللاذقية) ليشتد الخناق على قوات الأسد من جهتي الجنوب والشمال وفي حال بدء المعارك على هذين المحورين يعتقد الثوار أن القرار العسكري بات بحوزتهم ليكون الشمال والساحل تحت سيطرة المعارضة.
النظام بدوره يدرك هذا المخطط، لذا حشد وما زال الكثير من قواته على هذه الجبهات، كما أنه يذكر بين الحين والآخر الثوار على الجبهة الساحلية بأنه موجود من خلال عمليات القصف بالميج والبراميل، ومع ذلك يؤجل الثوار المواجهة ويدخرون ما لديهم من السلاح حتى اكتمال التجهيز الكامل لعملية الكماشة من خلال غرفة عمليات مشتركة.. هذه المقدمات وفق كل القادة العسكريين على الأرض ترجح فرضية نهاية النظام عسكريا في العام 2015.